سنن توزيع الأضحية

سنن توزيع الأضحية

إنَّ الأضحية من أعظم شعائر الإسلام التي يتقرَّب بها المسلمون إلى الله عز وجل، وهي عبادةٌ تُذكّر بتضحية إبراهيم الخليل بابنه إسماعيل عليهما السلام، وهي سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تُذبح في أيام النحر، ويُبتغى بها وجه الله، كما يُقصد بها التوسعة على الأهل والفقراء يوم العيد. لكن لا يكتمل أجر هذه الشعيرة ما لم تُراعَ سننها وآدابها، وعلى رأسها سنن توزيع الأضحية، وهي من الجوانب التي غفل عنها كثير من المسلمين رغم مكانتها في إحياء روح التكافل الاجتماعي وإظهار شكر النعمة.

في هذا المقال، سيتم استعراض السنن المتعلقة بتوزيع الأضحية استناداً إلى أقوال الفقهاء وأدلة الشريعة الإسلامية، مع توضيح الغاية الشرعية منها، وضبط الكمية والأسلوب الأمثل في التوزيع، وما يرتبط بذلك من آداب وأحكام.

أولاً: مفهوم الأضحية وحكمها في الإسلام

الأضحية هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام (الإبل، البقر، الغنم) تقرّباً إلى الله تعالى في أيام النحر، بدءًا من بعد صلاة عيد الأضحى وحتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق. وهي سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، وفريضة عند بعض فقهاء المالكية، خاصة لمن استطاع ولم يضحّ، لما ورد في الحديث الشريف:

“من وجد سعة ولم يضحّ فلا يقربنّ مصلانا” [رواه ابن ماجه].

ثانياً: الحكمة من تشريع توزيع الأضحية

شرع الله تعالى تقسيم لحم الأضحية لتتحقق من خلالها عدة مقاصد شرعية واجتماعية، من أهمها:

• إحياء معاني التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم.

• إدخال السرور على الفقراء والمحتاجين في يوم العيد.

• توسعة على الأهل وإظهار الفرح بنعمة الله.

• تحقيق معنى الإخلاص والعبودية في ترك جزء منها لله خالصاً دون مقابل.

• التدرّب على الكرم والعطاء والتقليل من شُحّ النفس.

ثالثاً: السنن المتعلقة بتوزيع الأضحية

لقد بيّنت النصوص الشرعية ما يجب وما يُستحب فعله عند توزيع الأضحية، ومن هذه السنن:

1. تقسيم الأضحية إلى ثلاثة أقسام

من السنة أن تُقسَّم الأضحية إلى ثلاثة أقسام:

• ثلث للفقراء والمساكين.

• ثلث يُهدي للأقارب والجيران.

• ثلث يحتفظ به أهل البيت للأكل.

وقد استدل العلماء بذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، حيث كانوا يأكلون ويُهدون ويتصدّقون، كما جاء في قوله تعالى:

﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28].

هذا التقسيم لا يُشترط أن يكون متساوياً عددياً، وإنما يُراعى فيه المصلحة والحاجة، ويجوز للمضحي أن يأخذ أكثر من الثلث أو أقل، بشرط أن لا يُفرّط في حق الفقراء.

2. الأفضل أن يُبدأ بالتصدق قبل الأكل

يُستحب أن يبدأ المضحي بتوزيع جزء من الأضحية على الفقراء قبل أن يأكل منها، وذلك لبيان معنى الإيثار وتقديم الآخرين، وإن أكل منها أولاً فلا حرج في ذلك.

3. الإهداء إلى الجيران وإن كانوا أغنياء

من سنة التوسعة ومراعاة حقوق الجوار أن يُهدى للجيران جزء من الأضحية، ولو كانوا أغنياء. وهذا من قبيل التحبب والتواصل وصلة الرحم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

“ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” [رواه البخاري ومسلم].

4. إخراج أفضل وأطيب أجزاء الأضحية للفقراء

من السنة أن يُخرَج للفقراء من أطيب اللحم، لا من أردئه، لأن هذا من حسن الخلق وتعظيم شعيرة الإطعام، ولأن الصدقة على المحتاج يجب أن تكون مما يحب المُهدي أن يأكله، كما قال الله تعالى:

﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92].

5. عدم بيع شيء من الأضحية

يُنهى عن بيع أي جزء من الأضحية، سواء لحمها أو جلدها أو غيره، فذلك يُفقدها مقصد التعبد لله تعالى، ويُخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال:

“من باع جلد أضحيته فلا أضحية له” [رواه الحاكم].

6. عدم إعطاء الجزار من لحمها أجراً

لا يجوز أن يُعطى الجزار أجرة ذبحه من لحم الأضحية، بل تُعطى له أجرته من مالٍ منفصل، لما ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

“أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها، وألا أعطي في جزارتها منها شيئاً” [رواه البخاري ومسلم].

رابعاً: ضوابط التوزيع الشرعي

✅ لمن يجوز توزيع الأضحية؟

• الفقراء والمساكين وهم أولى الناس باللحم، سواء كانوا من الأقارب أو غيرهم.

• الأقارب غير المحتاجين من باب صلة الرحم والإهداء.

• الجيران المسلمون وغير المسلمين على حد سواء، من باب حسن الجوار.

• الأصدقاء والمعارف من باب التودد والتواصل.

❌ لمن لا يجوز إعطاؤه؟

• لا يجوز إعطاء الكافر المعادي أو المحارب للإسلام.

• لا يجوز إعطاء من سيستهزئ بالشعيرة أو لا يُعيرها احتراماً.

• لا يُعطى الجزار أو من ساعد فيها أجراً من لحمها.

خامساً: الكمية الموزعة

لا يوجد في الشرع تحديد دقيق لنسبة معينة، ولكن اجتهد العلماء على التقسيم التالي:

ومع هذا، يجوز التصرف حسب الحاجة والظرف، بشرط عدم بخس الفقراء حقهم.

سادساً: وقت التوزيع المفضل

• يبدأ التوزيع بعد الذبح مباشرة، ويُستحب أن يُعجَّل بإعطاء الفقراء، خاصة في يوم العيد.

• يجوز التوزيع في أيام التشريق الثلاثة، ولكن الأفضل المبادرة قبل فساد اللحم.

سابعاً: حفظ اللحم وتخزينه

يجوز تخزين اللحم وتجميده، خاصة في المناطق الحارة، وقد ورد في حديث النبي ﷺ أنه نهى عن ادخار اللحم بعد ثلاثة أيام، ثم رخص بعد ذلك، فقال:

“كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فكلوا وادخروا” [رواه مسلم].

ثامناً: توزيع الأضحية في ضوء الواقع المعاصر

مع تغير الأحوال وتوسع المدن، أصبحت هناك مؤسسات وجمعيات تُنظم عملية توزيع الأضاحي. ومن الجائز شرعًا توكيل الجمعيات الموثوقة لتوزيع الأضحية نيابة عن الشخص، شريطة:

• التأكد من سلامة الذبح الشرعي.

• أن يتم الذبح في الوقت الشرعي.

• أن يُوزع اللحم وفق مقاصد الشريعة.

وفي بعض الحالات، يتم إرسال لحوم الأضاحي إلى مناطق منكوبة أو دول فقيرة، وهذا جائز بل من أعظم القربات، ويجب فيه الالتزام بإجراءات الشفافية والوثوقية في النقل والتوزيع.

تاسعاً: أثر توزيع الأضحية في المجتمع المسلم

ينعكس توزيع الأضحية بشكل مباشر على البنية الاجتماعية والنفسية داخل المجتمعات، ومن أبرز آثاره:

• تقوية الروابط الاجتماعية بين الأهل والجيران.

• إحياء مبدأ التكافل الإسلامي وتخفيف معاناة الفقراء.

• تعزيز الشعور بالانتماء للأمة الإسلامية من خلال تكرار شعائر موحدة في جميع أنحاء العالم.

• نشر ثقافة العطاء والبذل والحد من الأنانية.

• تحقيق البركة في الرزق والمال من خلال الصدقة والطاعة.

عاشراً: الأخطاء الشائعة في توزيع الأضحية

رغم وضوح السنن، إلا أن كثيراً من المسلمين يقعون في أخطاء منها:

• الاحتفاظ بكامل الأضحية وعدم التصدق منها.

• إعطاء الفقراء من العظام دون اللحم.

• التمييز في التوزيع بين الأقارب والمحتاجين بشكل غير عادل.

• التهاون في إخراجها في الوقت الشرعي أو ذبحها خارج أيام النحر.

• الجهل بنية الإخلاص لله في الأضحية وتحويلها إلى مجرد عادة اجتماعية.

المصادر والمراجع

• الإمام النووي، شرح صحيح مسلم.

• ابن قدامة، المغني في فقه الإمام أحمد.

عنوان المقال المناسب والمُحسن لمحركات البحث (SEO):

سنن توزيع لحم الأضحية